إصدار كتاب قاموس النقد الروائي.



هذه مساهمة متواضعة في النقاش الدائر الآن حول المصطلح النقدي الروائي، نقدم هنا أهم المفاهيم الروائية في صورة مبسطة قابلة للفهم، لوعينا التام بكون الجهاز المفاهيمي يعطينا صورة واضحة عن اشتغال العقل النقدي، ويدشن بالتالي العلاقة بين المفهوم باعتباره لفظا لغويا معطى، إلى واقع تداولي يرسم حدود اللغة ويبرز قدرتها على النقد والتأويل. للجهاز المفاهيمي سلطة كسلطة اللغة نفسها، فاللغة تمارس السلطة بما تحمله من رموز ودلالات تاريخية أو أسطورية، والجهاز المفاهيمي يمتلك الحق نفسه، لأنه يفرض على اللغة النقدية ممارسة خاصة وطقوسا معينة قد تكون اللغة في غنى عنها لولا ما نحملها أحيانا من مفاهيم مجردة لا تستوعبها، ولنكون أكثر وضوحا: فإن المفهوم النقدي لا يصبح مفهوما بمعنى الكلمة إلا من خلال سياقه النقدي الذي نعتبره متفردا ولا يتكرر بين ناقدين، فمفهوم الأدب على سبيل المثال لا يتحدد من خلال الأعراف اللغوية ولا حتى مما هو رائج الآن من تعاريف جاهزة، وإنما يتحدد من خلال سياق نقدي واضح ومتفق عليه، وإلا فإن المفهوم النقدي الروائي الذي نصبو للبحث عنه وتحديده ما هو في آخر الأمر سوى معنى لغوي قاموسي من معاني اللغة العامة، فالسياق النقدي في نظرنا هو المرجع الوحيد لتحديد المفهوم النقدي، وهو وحده الكفيل بإمدادنا بمفهوم يتحقق في الاشتغال النقدي وليس مفهوما عائما لا يوجد إلا في أذهاننا، إن تصورنا للأدب لغويٌّ غالبا ما يحجب عنا المفاهيم العميقة التي تطرحها الكتابات النقدية، وهذا ما يكرس دلالة واحدة مسطحة للمصطلح النقدي بجعله مفهوما منتهيا، في حين أن أولى خصائص المفهوم أنه غير منته، فهو متطور باستمرار، وإنتاج المفاهيم لا يتوقف، وفي الرواية بوجه خاص ينصب الحديث عن المصطلح وكأنه نهائي الدلالة، فيكتفي الناقد في أحسن الأحوال بترجمة للمفاهيم – ترجمة لغوية- لا تتجاوز الجذر اللغوي/الصرفي وفي هذه الحالة فإن قصارى ما يقوم به هو وضع قائمة بالمصطلحات النقدية التي وظفها والمقابلات الفرنسية أو الإنجليزية في بعض الأحيان ويعتقد أنه قد حل مشكلة عويصة تتعلق بالمفاهيم النقدية واشتغالها، وقد يلجأ بعض النقاد المحنكين إلى تجاوز هذه القوائم على أساس أن المفاهيم واضحة لا تحتاج إلى توضيح، وأن من أراد أن يفهم المادة النقدية فعليه أن يكون متقنا لما يقرأ، وهي في تقديرنا حجة لا يقبلها العقل في ظل الفوضى النقدية والمصطلحية التي نعيشها في كتاباتنا، فوضى لا يمكن التحكم فيها إلا بضبط العقل المنتج للمفاهيم النقدية/الخطاب النقدي، ولذلك نحاول هنا ضبط المفهوم بشكل بسيط لينسجم مع الخطاب النقدي المهيمن، إن تتبع الجهاز المفاهيمي في المتن النقدي الذي ندرسه يروم تحقيق هدفين، فهو من جهة يدرس العقل النقدي المعاصر مشكلا في أصغر وحدة للتفكير النقدي : وهي المفهوم، ومن جهة أخرى نحاول بطريقة لم نصرح بها الإسهام في وضع قواميس متخصصة في الأجناس الأدبية الحديثة في المغرب-، خاصة الأجناس السردية: الرواية والقصة القصيرة.

الجهاز المفاهيمي بهذا التحديد وسيلة عملية للتعرف على الاتجاه العام عند الناقد، فمن خلال شبكة المفاهيم النقدية الموظفة نستطيع تصنيفه في الاتجاه النقدي المهيمن على كتاباته النقدية، وبالتالي حصر الخلفيات النقدية والإيديولوجية التي تتحكم في القراءة النقدية. ونعتقد – استنادا إلى المتن النقدي الذي درسناه- أن النقاد واعون كل الوعي بهذا التوجه، خاصة إذا علمنا أنهم يحاولون أثناء ممارستهم النقدية إخفاء بعض المفاتيح النقدية الأساسية لكل قراءة نقدية، إذ يطغى الاختزال والاختصار وكأن المفاهيم النقدية قابلة للتجزيء . لقد تتبعنا الجهاز المفاهيمي الأكثر استعمالا، وحاولنا استقراءه من خلال النصوص التي ورد فيها، وكما لا يخفى، فإن الدلالة المفهومية قد لا تكشف عن نفسها بسهولة ويسر، بل في أحيان كثيرة كانت المفاهيم تلتبس، ويختلط بعضها ببعض، ويعارض أولها آخرها، فأثبتنا ما ينبغي إثباته بحرفيته كما ورد، وقومنا ما ينبغي تقويمه من غير تضييع لمعنى، ولا تحريف لمقصد، مستعينين في ذلك بالمراجع التي رجع إليها النقاد أنفسهم، وكنا في كثير من الأحيان لا نجد المعلومة في ما أثبتوه في كتبهم رغم رجوعنا إلى الطبعات التي اعتمدوها ، وقد أعزينا هذا إما إلى الأخطاء المطبعية تنزيها للنقاد عن الكذب والمماطلة، أو إلى عدم التريث والتثبت من المتن الأجنبي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظام البطاقات البحثية بالصور

شرح منظومة تفصيل عقد الدرر في الطرق العشر لنافع - لشيخنا الجليل محمد السحابي (7)

مشروع كتابة رواية (السكين والوردة) 1-البداية.