الخميس، 7 يناير 2010

بين السياسي والمثقف..!


بداية لا تطالبني بأن أعرف لك من هو السياسي ومن هو المثقف، الأمر يشعرني بالتقزز، لأنني سأضيع هنا كثيرا من الوقت دون أن أصل إلى جواب مقنع، ومع أنني لا أرى فرقا كبيرا بين أن أقول: سياسي ومثقف فإن التعريف مع ذلك لا يختلف كثيرا عن قولك: إذا كنت تلد بيضة كل صباح فأنت دجاجة.
حسنا، إذا كنت تعتبر نفسك سياسيا فأنت متمرن على اللف والدوران، ولي عنق اللغة للوصول إلى ما تراه صوابا، المصلحة هي التي تحكمك، سواء كانت هذه المصلحة مرتبطة بك مباشرة أو بعشيرتك وقبيلتك، بحزبك السياسي أو بانتمائك الديني، وقد لا تعير الآخرين أي اهتمام إلا إذا أحسست بالضغوط تتوالى عليك من اليمين واليسار، عندئذ يمكنك أن تتنازل عن بعض الفتات من أجل أن تحمي المصالح التي تدافع عنها.
وإن كنت مثقفا فإنك بدون شك تجعل "الحقيقة" هي مثلك الأعلى، وتدافع عنها بشتى الوسائل، لا يهمك رأي السياسي فيك ولا ضغوطات اليمين واليسار، لأن هدفك الأول هو كشف الحقائق كما تجلت أمامك. وأنت من أجل هذه الحقيقة قد تتعرض لكثير من المضايقات سواء من السياسيين أو من رجال الدين، أو حتى من "بائعي المشروبات الغازية"!
وأنت إذا تأملت جيدا، وفهمت ما أرمي إليه تجد خيطا رفيعا بين المثقف والسياسي، يحرص السياسي دائما على وصله، ويجب على المثقف أن يقطعه، هذا الخيط الرفيع هو الذي يمثل الفرق بين وظيفة السياسي ووظيفة المثقف.
وظيفة السياسي – في العمق- هي الدفاع عن المصلحة، ووظيفة المثقف هي تبيان المصلحة، إيضاحها وكشف أبعادها.
المشكلة عندنا هي هذا التداخل الفظيع بين الأدوار: يحاول السياسي أن يكون مثقفا فتتحول السياسة إلى نزعة تشويهية للعلم والمعرفة، ويحاول المثقف أن يكون سياسيا فتصبح السياسة بلا معنى، فتمسخ السياسة ويمسخ العلم، نفس الأمر يعمم على إشكاليات أخرى: حين يبدأ رجل الدين في المسجد بتحليل القضايا السياسية تصاب بالدوار، لأنه يكشف عن هوة كبيرة في فهم الواقع السياسي وتفسيره، المشكلة هنا أن عليك أن تمتلك قدرة كبيرة على المعرفة في الفصل بين ما هو من صميم الدين وما هو بعيد عن الدين، ينتمي إلى المصالح الآنية في عالم السياسة والناس، ولو اكتفى الفقيه بأمور الدين لقام بواجبه خير قيام وأعفى الناس من عنت كثير.
وقد يتجرأ السياسي فيشرح للناس مفاهيم الفلسفة وطرق تأويل النصوص وغيرها من إشكاليات أصحاب الاختصاص، عندئذ ستسمع العجب العجاب الذي ما أنزل الله به من سلطان.
هل استمعت يوما لمغنٍّ يشرح مفهوم الثقافة، من سوء حظي وقع الأمر معي، في الواقع كان يتحدث كما لو أن الثقافة هي الغناء، ولو قال الغنى (المال) لقلت إن الرجل صادق فهو ينقل ما يعيشه ولعله نقد لاذع لأولئك المثقفين المنزوين في خيالهم يعتقدون أن زمن الكلمة والحرف يجعلهم يعيشون فوق الجميع، وأنهم أنبياء المجتمع أو هم إلى الأنبياء أقرب.
على السياسي أن يعرف حدوده فيلزمها، وعلى المثقف أن يفعل الأمر نفسه، وإذا استطاع المثقف أن يكون ناصحا أمينا للسياسي فعليه ألا يتردد لحظة واحدة في تقديم النصح لمن طلبه. وفي هذا دعوة لمثقفي العالم العربي عامة والمغاربة خاصة على تقديم رسالتهم المعرفية بعيدا عن استغلال الساسة وأشباه الساسة، في استقلال تام، وكل مثقف يسخر قلمه للدفاع عن الظلم كيفما كان نوعه يفتضح أمره إن عاجلا أو آجلا، وبين العاجل والآجل تضيع الحقوق وتختل التوازنات، وتحتدم الصراعات، ونضيع وقتا طويلا في تلطيف الخواطر وردم ما خربته الأيام، وهو وقت نحتاجه في إخراج البلاد من الفقر والتخلف إن سلمت النيات وعقدت العزائم وحرص كل ذي مسؤولية على مسؤوليته.

ملاحظة: هذا النص مقتبس من مقالة لي بتاريخ 26 يوليو، 2008

الاثنين، 4 يناير 2010

تفاحة google


ربما انتبه أغلب المتصفحين للإنترنت اليوم أن google غيرت شعارها إذ وضعت في صفحتها للبحث شعارها المألوف مع غصن من شجرة تفاح، ثم بعد ذلك تسقط تفاحة واحدة قليلا إلى الأسفل.
إنها قصة سقوط غيرت نظرة الإنسان إلى الأشياء. وربما تكون هذه السقطة هي أهم قفزة عرفتها الإنسانية منذ اختراع الكتابة.
إنها سقطة تفاحة لا أقل ولا أكثر.
وعدْتُ سنوات كثيرة إلى الوراء...!
يا إلهي، أنا لم تسقط على رأسي أية تفاحة في حياتي. بل حدث ما هو أفضع من مجرد سقوط تفاحة. وبدأت أعدد السقطات:
السقوط من الدراجة: النتيجة كسر خفيف واستمرت الحياة بعدها دون تأمل.
السقوط من الجبل في مغامرات الطفولة، والنجاة بأعجوبة، ثم تسنمر الحياة مرة أخرى. إني أخجل من نفسي...!
السقوط من فوق ظهر الحمار حدث أكثر من مرة....سقوط إثر سقوط لم يحرك في نفسي شيئا...إنني أخجل من نفسي مرة أخرى.
أما أمتنا الغالية العظيمة، فلو أردنا أن نكتب عن تاريخ السقوط فيها ما وسعتنا الأوراق والأقلام.الإنتكاسات تلو الانتكاسات، السقوط تلو السقوط...، لكن لا أحد ينتبه..!
فكيف يمكن أن يكون سقوط تفاحة على إسحاق نيوتن قد غير مجرى حياتنا العلمية، كيف يمكن أن يحدث هذا. إنه الحدس العلمي الذي افتقدناه، والطاقة الخفية التي علمت العلماء أن الإنجازات العظيمة تأتي فقط من الأشياء الصغيرة والتفكير البسيط المبني على الروح العلمية الصادقة.
فمتى تعلمنا سقطاتنا المتكررة، سواء على مستوى ذواتنا أو على مستوى الأمة أن ننتبه إلى هذه اللحظات الصغيرة علنا نكتشف شيئا جديدا يحررنا من تخلفنا الحضاري.
بالمناسبة اليوم هو الذكرى 367 لميلاد العالم الكبير إسحاق نيوتن.