الخميس، 16 ديسمبر 2010

ملف تربوي يتعلق بالسنة الأولى علوم تجريبية.

محتويات الملف:
  • مكون النصوص: الخطاب الإشهاري - الخطاب الصحفي - الخطاب السياسي.
  • مكون علوم اللغة: الحال - التمييز - العدد.
  • مكون التعبير والإنشاء: مهارة تحليل صورة 1-2-3.

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

تجربة Hubert Lucot في الكتابة.

Hubert Lucot كاتب فرنسي من مواليد باريس 1935.
واحد من الكتاب القليلي الظهور في الوسط الإعلامي الفرنسي، أو إذا شئت بلغتنا واحد من الكتاب المغمورين الذين لا يكاد يعرفهم إلا قلة من المتخصصين والأكاديميين، ولكن تجربته في الكتابة المعاصرة لا يمكن نكرانها خاصة في الشعر أو الرواية.
استمع إليه وهو يتحدث عن جوانب من هذه التجربة الممتعة !



الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

نظام البطاقات البحثية بالصور

نظام البطاقات البحثية واحد من أقدم التقنيات وأشهرها في تنظيم المعرفة وتجميعها. ومرد ذلك إلى قدرة التعامل التعامل معها أثناء استرجاع المعلومات من أجل دراستها، فهي بمثابة قواعد للبيانات يعود إليها الباحث عند الضرورة لأنها تعفيه من العودة للكتاب. لكن مع التطور الهائل في مجال الحاسوب كادت هذه التقنية أن تختفي. هذه دعوة للرجوع إلى هذه التقنية الجميلة البسيطة إذا كنت مدمنا على شم رائحة الورق والمداد!

bita9a1
نموذج 1 يتعلق بمعلومات مختصرة عن الكتاب وفكرته المركزية

cards
نموذج 2 مجموعة من الألوان التمييزية بين كتب مختلفة الأتجاهات

Index card20
صندوق تجميع وتصنيف بلاستيكي.

Index card19
الجمع بين البطاقات ودفتر الملاحظات الشخصية

Index card18
أجمل لحظات الكتابة: الصمت المطبق مع كأس شاي على الطريقة المغربية الوجدية !

Index card10
صندوق تجميع خشبي !

Index lettre2
طريقة التجميع بواسطة الأظرفة !

الأحد، 28 نوفمبر 2010

إصدار كتاب قاموس النقد الروائي.



هذه مساهمة متواضعة في النقاش الدائر الآن حول المصطلح النقدي الروائي، نقدم هنا أهم المفاهيم الروائية في صورة مبسطة قابلة للفهم، لوعينا التام بكون الجهاز المفاهيمي يعطينا صورة واضحة عن اشتغال العقل النقدي، ويدشن بالتالي العلاقة بين المفهوم باعتباره لفظا لغويا معطى، إلى واقع تداولي يرسم حدود اللغة ويبرز قدرتها على النقد والتأويل. للجهاز المفاهيمي سلطة كسلطة اللغة نفسها، فاللغة تمارس السلطة بما تحمله من رموز ودلالات تاريخية أو أسطورية، والجهاز المفاهيمي يمتلك الحق نفسه، لأنه يفرض على اللغة النقدية ممارسة خاصة وطقوسا معينة قد تكون اللغة في غنى عنها لولا ما نحملها أحيانا من مفاهيم مجردة لا تستوعبها، ولنكون أكثر وضوحا: فإن المفهوم النقدي لا يصبح مفهوما بمعنى الكلمة إلا من خلال سياقه النقدي الذي نعتبره متفردا ولا يتكرر بين ناقدين، فمفهوم الأدب على سبيل المثال لا يتحدد من خلال الأعراف اللغوية ولا حتى مما هو رائج الآن من تعاريف جاهزة، وإنما يتحدد من خلال سياق نقدي واضح ومتفق عليه، وإلا فإن المفهوم النقدي الروائي الذي نصبو للبحث عنه وتحديده ما هو في آخر الأمر سوى معنى لغوي قاموسي من معاني اللغة العامة، فالسياق النقدي في نظرنا هو المرجع الوحيد لتحديد المفهوم النقدي، وهو وحده الكفيل بإمدادنا بمفهوم يتحقق في الاشتغال النقدي وليس مفهوما عائما لا يوجد إلا في أذهاننا، إن تصورنا للأدب لغويٌّ غالبا ما يحجب عنا المفاهيم العميقة التي تطرحها الكتابات النقدية، وهذا ما يكرس دلالة واحدة مسطحة للمصطلح النقدي بجعله مفهوما منتهيا، في حين أن أولى خصائص المفهوم أنه غير منته، فهو متطور باستمرار، وإنتاج المفاهيم لا يتوقف، وفي الرواية بوجه خاص ينصب الحديث عن المصطلح وكأنه نهائي الدلالة، فيكتفي الناقد في أحسن الأحوال بترجمة للمفاهيم – ترجمة لغوية- لا تتجاوز الجذر اللغوي/الصرفي وفي هذه الحالة فإن قصارى ما يقوم به هو وضع قائمة بالمصطلحات النقدية التي وظفها والمقابلات الفرنسية أو الإنجليزية في بعض الأحيان ويعتقد أنه قد حل مشكلة عويصة تتعلق بالمفاهيم النقدية واشتغالها، وقد يلجأ بعض النقاد المحنكين إلى تجاوز هذه القوائم على أساس أن المفاهيم واضحة لا تحتاج إلى توضيح، وأن من أراد أن يفهم المادة النقدية فعليه أن يكون متقنا لما يقرأ، وهي في تقديرنا حجة لا يقبلها العقل في ظل الفوضى النقدية والمصطلحية التي نعيشها في كتاباتنا، فوضى لا يمكن التحكم فيها إلا بضبط العقل المنتج للمفاهيم النقدية/الخطاب النقدي، ولذلك نحاول هنا ضبط المفهوم بشكل بسيط لينسجم مع الخطاب النقدي المهيمن، إن تتبع الجهاز المفاهيمي في المتن النقدي الذي ندرسه يروم تحقيق هدفين، فهو من جهة يدرس العقل النقدي المعاصر مشكلا في أصغر وحدة للتفكير النقدي : وهي المفهوم، ومن جهة أخرى نحاول بطريقة لم نصرح بها الإسهام في وضع قواميس متخصصة في الأجناس الأدبية الحديثة في المغرب-، خاصة الأجناس السردية: الرواية والقصة القصيرة.

الجهاز المفاهيمي بهذا التحديد وسيلة عملية للتعرف على الاتجاه العام عند الناقد، فمن خلال شبكة المفاهيم النقدية الموظفة نستطيع تصنيفه في الاتجاه النقدي المهيمن على كتاباته النقدية، وبالتالي حصر الخلفيات النقدية والإيديولوجية التي تتحكم في القراءة النقدية. ونعتقد – استنادا إلى المتن النقدي الذي درسناه- أن النقاد واعون كل الوعي بهذا التوجه، خاصة إذا علمنا أنهم يحاولون أثناء ممارستهم النقدية إخفاء بعض المفاتيح النقدية الأساسية لكل قراءة نقدية، إذ يطغى الاختزال والاختصار وكأن المفاهيم النقدية قابلة للتجزيء . لقد تتبعنا الجهاز المفاهيمي الأكثر استعمالا، وحاولنا استقراءه من خلال النصوص التي ورد فيها، وكما لا يخفى، فإن الدلالة المفهومية قد لا تكشف عن نفسها بسهولة ويسر، بل في أحيان كثيرة كانت المفاهيم تلتبس، ويختلط بعضها ببعض، ويعارض أولها آخرها، فأثبتنا ما ينبغي إثباته بحرفيته كما ورد، وقومنا ما ينبغي تقويمه من غير تضييع لمعنى، ولا تحريف لمقصد، مستعينين في ذلك بالمراجع التي رجع إليها النقاد أنفسهم، وكنا في كثير من الأحيان لا نجد المعلومة في ما أثبتوه في كتبهم رغم رجوعنا إلى الطبعات التي اعتمدوها ، وقد أعزينا هذا إما إلى الأخطاء المطبعية تنزيها للنقاد عن الكذب والمماطلة، أو إلى عدم التريث والتثبت من المتن الأجنبي.

الأحد، 14 نوفمبر 2010

جديد الإبداع القصصي في وجدة

دشن الأستاذ محمد مباركي دخوله إلى عالم الإبداع القصصي بمجموعته القصصية الأولى "وطن الخبز الأسود"، تضم المجموعة ثلاثين قصة قصيرة بالإضافة إلى الإهداء والتقديم في حوالي ستين صفحة، طبعت المجموعة في مطبعة الجسور بوجدة 2010- مجموعة تستحق القراءة :
جاء في الغلاف الخارجي للمجموعة: "...تعلمت الدرس وأقسمت بأغلظ الأيمان أن أعود إلى وطني، ومن أجل ذلك حرضت جدتي وأمي وأبي وكل أعمامي، إلا عمي الأكبر صاحب الوجه المنغولي على عصيان جدي الذي ربط الوطن بالبطن. وهددنا بسلاح تقليدي معروف "دعوة الشر"، قلت ألبسها يا جدي عباءة من أجل وطني.
انبهر الجميع بشجاعتي التي قتلها فيهم جدي عبر السنين. قال لي : من أين لك هذا العصيان أيها المارد؟
وضربني بعصاه فآلمني، لكني بقيت على إصراري بعناد... "

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

ديوان شعري جديد لعبد القادر زرويل





صدر للشاعر المغربي عبد القادر زرويل ديوان شعري جديد بعنوان "جدائل الشمس" عن شركة الشمال للطباعة والنشر بوجدة، يقع الديوان في 60 صفحة من القطع الصغير. أغلب قصائد الديوان تعالج القضية الفلسطينية والعراقية، الغلاف من تصميمي :)

الأربعاء، 3 مارس 2010

أنا هنا...جيفة عفنة..!

أكتب هذا النص على نظام ubuntu9.10 ببرنامج openoffice-word ﻻ أدري كيف سيظهر في المتصفح،
1- نمت كجيفة عفنة. رأيت جدتي التي ماتت قبل عشر سنوات، وعمتي التي ما زالت على قيد الحياة وبينهما نهر عظيم جارٍ، يترقرق ماؤه عذبا طريا كأنه زجاج ذائب. استفقت من نومي في الثانية صباحا، كانت الريح تعصف بقوة ويسمع صوتها على جنبات النوافذ، الأشجار تئن طربا كأنها تلد. لم أجد شيئا أفعله. فتحت قناة الجزيرة. مازالت غزة تئن. للأنين صوت أسد هزيل اعتزل ليموت وحيدا بشرف. سماء غزة مظلمة. شوارع غزة مقبرة لتجارب عقل فقد كل قيم الحياة، عقل متوحش تعرى أمام نفسه في المرآة. فشل إنساني فظيع. نفاق سياسي بغيض. لم يعد أحد يثق منذ اليوم في عقل متوحش فقد مشروعية وجوده. انتحر العقل والإنسان في مزبلة الحرب.

[ لن نفتح المعابر حتى لا نعطي الإسرائيليين فرصة تقسيم فلسطين بين الضفة والقطاع. لن نخرق معاهدة 2005.]

(قصاصة من يومية عربية وجدتها عند بائع كران في وجدة)

يظنون أننا سنصدقهم، يظنون أنهم يتحدثون إلى شعب مغفل لا عقل له!

2- هم يعرفون أننا نصدقهم، لأنهم صنعونا على مقاس أحذيتهم وعلى استدارة رابطات أعناقهم. نحن نعرف أنهم يكذبون ومع ذلك نصدقهم. إنها معادلة لا يمكن أن يفهمها عاقل. الفلسطينيون، هؤلاء الرجال قد فضحونا، قد عرونا تماما. كشفوا نفاقنا وتخاذلنا. بأي وجه ننظر إلى أطفالنا ونسائنا، مرغوا وجوهنا في التراب قبل أن يمرغوا أنوف الصهاينة في خراء الخنازير. هؤلاء الأبطال كتبوا التاريخ بدلا عنا نحن "القاعدون المتحصنون" خلف نفاقنا. تذكرت قاعدة الاختصاص في النحو العربي القديم، وكيف يحرص عليها هؤلاء الأعراب المخنثون أكثر مما يحرصون على شرف أمهاتهم وبناتهم، يتشدقون بها ملء أفواههم ليعلم المستمع أنهم أكثر الناس صونا لفروع اللغة وأصولها، قلتُ: تزدهر البلاغة حينما تموت المواقف، تماما مثلما نقدم باقة من الورد أثناء عيادة المريض.

3- بقيت في فراشي ما يزيد على نصف ساعة أحدق في السقف، كان هناك نهر يجري بين خطوط الجبس المتعرجة كثعبان أملس، الصراصير تسبح في النهر بزعانف كأنها أشرعة سفن قديمة. تتناسل الصراصير بسرعة جنونية. تنقسم كالخلايا السرطانية محدثة جلبة ما يزال طنينها في أذنيَّ. الناس يبتلعون الصراصير بلذة عارمة. كانت جدتي تحاول أن تتجاوز النهر، تجاوزته بسرعة وكانت الصراصير ما تزال تلاحقها، كلما اقتربَتْ منها تناسلت أكثر. أحسست بيدٍ تمتد نحوي، سوداءُ يُغطيها زغبٌ قذرٌ، وعلى مرمى البصر ثلجٌ كأنه عِهنٌ غير منفوش، كان عباس العبد يحاول أن يصل إلى المكان، المكان يظهر ويختفي، أصبحتُ أنا هو المكان الوحيد في هذه الصحراء الممتدة بلا رحمة. كان صوت عباس يأتي متقطعا بينما كانت جدتي تواصل المسير إلى شجرة أو شيء كالشجرة معلق في الفراغ، لعلها "خروبة" كبيرة أو "صفصافة" صغيرة، كانت الصراصير تحوم حولها، محدثة موسيقى باردة.

4- استفقت على وقع أقدام عباس يخبرني بضرورة التحرك سريعا، ربما كان في نيته أن يتابع دعوته إلى القبائل التي لم يصلها أحد من قبل.

- استعد يا سيد «س» سنغادر بعد القصف الأول.

لم أكلف نفسي أن أرد، ولا حتى مجرد التساؤل عن الوجهة الجديدة التي سنسلكها، من عادة الأنبياء ألا يُسألوا عما يخططون له، ومن عادة المؤمنين ألا يَسألوا عن أشياء إن تُبدَ لهم تسؤهم. الامتثال المطلق إيمان مطلق. المواطنة الكاملة هي الامتثال الكامل. لقد نسي عباس حتى اسمي، أنا بالنسبة له لست سوى صوت لا أصل له، مجرد حرف جبان لا معنى له. تذكرت لوحة مذهبة مرصعة بحروف متطايرة كأنها نحل شارد، عُلقت بإحكام في صالة الانتظار عند طبيب الأسنان. للحرف هناك قيمة جمالية تضاهي الإعجاز، أما أنا فلا معنى لاسمي. "استعد يا سيد « س »"، لقد سماني أبي سردالا، وسماني هو "س" لقد كان لاسمي معنى مع الأشياء، أما الآن فقد أصبحت الأشياء أكثر عمقا مني، ليتني كنت فنجان قهوة أو حتى [فِ]رْيَة (1) في جوف تاريخ عظيم، أنا الآن لا شيء، مجرد صوت بلا روح ولا معنى. الأشياءُ، تلك الموجودات المستفزة الهامدة تصنع حضارتنا المعاصرة، تؤثث نفوسنا الموحلة، الموغلة في تاريخ الفوضى. الأشياء الصغيرة تحكم العالم الكبير. لكن، قلت في نفسي: من أين تستمد الأشياء الصغيرة سلطتها؟ وهؤلاء الذين سيلتقي بهم عباس، وهو يراهن على أنهم سيذعنون لمشيئته، أي سلطة تقودهم ليسلموا له أرواحهم وقلوبهم المفعمة بالفوضى؟ إنها سلطة الأشياء الصغيرة، الأشياء التي تحيط عوالمنا الداخلية بضوضائها التي لا تنتهي، والتي تفصلنا عن جوهرنا، وتحول بيننا وبين الاستماع إلى موسيقى ذواتنا المهجورة، تتحكم في مصائرنا كأنها قَدَرٌ جديد يسلبنا الإرادة.

«5- لحظة أولى:

المكان: مقهى لوازيس بوجدة.

الزمان: الأحد 08/02/2009، الساعة 11و 31 دقيقة صباحا.

الإيقاع: تماهٍ بين كأس أبيض هو خلاصة ما وصلت إليه الحضارات القديمة، ومجموعة من ثلاث كتب وجريدة يوم الجمعة الفائت. الكأس يحتضن القهوة بحنان أموميٍّ، وبين الكتب الثلاث تيارات جارفة متبادلة من العشق السماوي، وإيقاع موسيقي يخترق حجب التاريخ المظلم وأسيجة المستقبل المرعب.

رَنَّ أحدُ الهواتف النَّقالة، رن بصوت منكرٍ مزعج، وقف الناس جميعا يتحسسون جيوبهم، ومناطق أخرى من أجسادهم، كل واحد منهم يظن أن هاتفه الخلويَّ هو الذي يرن في جيبه. ما أحدثه الهاتف النقال لا يمكن أن يحدثه صوت المؤذن ينادي الناس لبلوغ السماء.

قلتُ: لو أن "فرقعة" مدوية خرجت من تحت سروال أحدهم، هل كانوا يتفقدون مؤخراتهم بحثا عن مصدر الفرقعة؟ لا شك أنهم لن يقفوا، لأن كل واحد منهم يعتقد في أعماق نفسه أنه أطهر الناس جميعا، وأن الآخرين هم أكثر قذارة.»

«6- لحظة ثانية:

الزمان: 13/09/1999، العاشرة و سبع دقائق مساءً.

المكان: أحد فنادق إنزكان قرب محطة الحافلات.

الإيقاع: أشجار الشارع الكبير تلعن ضجيج السيارات، تسعلُ بعمق فتتأرجح ذات اليمين وذات اليسار محدثة تيارا ت من الدخان المتصاعد من مواقد الشواء حول المطاعم المنتشرة بلا معنى.

في نقطة تجمع الطرق، على مقربة من الفندق، أمام لوحة إشهارية كبيرة تعلن عن منتج جديد من الهواتف النقالة، جلس أحد المتسولين ليفرغ ما بجسده من سوائل النهار، وما جمعه في بطنه من رواسب المتصدقين.

قلت: أيهما أكثر وعيا وأعظم إدراكا لجواهر الأشياء، المجانين أم أولئك الذين يدَّعون التعقل أمام الأشياء؟ أليس ما فعله هذا المتسول هو خلاصة تجارب الإنسانية كلها منذ أن بدأ الإنسان في التفكير، كل أشكال التعقل الرصينة لا بد أن توصلنا إلى هذا الموقف العميق الذي صدر من هذا الرجل. لقد فعل ما لم نستطع نحن أن نفعله، لقد جعلني أشعر بالخجل أمام تعقلي الأحمق.»

«7- لحظة ثالثة:

الإيقاع: الأشياء المحيطة بالإنسان والحيوان تكاد تنصهر من الحر، الأدمغة تغلي ورائحة الزفت تتصاعد من الطريق المشققة، التي كأنها لسان كلب مسعور، الطيور هجرت السماء، ليس هناك نسمة هواء واحدة. تحس أن وجوه البشر ليست سوى قطع فحم بللها المطر.

الزمان: الجمعة 13/06/1986. بين الثانية والثالثة مساءً.

المكان: أمام بوابة ثكنة القوات المساعدة، في طريق ملعب الكرة المستطيلة بوجدة.

تركني أبي هناك أستظل تحت الشجرة الكبيرة التي غرسها المستعمر الفرنسي مشكورا، بعد لحظات خرج أحد الأطفال من الثكنة على دراجة هوائية ثلاثية العجلات، زرقاء اللون مع حمرة بادية في الخلف، حاول الطفل أن ينزل بدراجته الرصيف الصخري. سقط الطفل من الدراجة على وجهه. جُرح الطفل جرحا صغيرا على خده. اجتمع رجال القوات المساعدة، بعضهم يمسح وجه الطفل. وبعضهم ذهب مسرعا لجلب بعض الضمادات.

أما رجل آخر فجاء مسرعا نحوي، وكنت ما أزال أنتظر عودة أبي تحت الشجرة الكبيرة التي لم نغرسها نحن، صفعني الرجل صفعة شديدة على خدي، وأدخلني الثكنة العسكرية. وسمعته يقول لأحدهم هذا هو الكلب ابن الزانية الذي دفع الطفل فسقط. ولما أكد له حارس الباب أنني بريء من إسقاط الطفل. قال لي يا ابن الزانية صفعتك حتى تصبح رجلا!

قلت:تأكدت منذ تلك اللحظة وأنا طفل صغير، أنه لم يصنع مني رجلا، وإنما صنع مني وحشاً، وأقسمت حينها أنه لو أتيحت لي فرصة قتله ما ترددت لحظة واحدة. لما سمعت بوفاته الطبيعية حمدت الله وغفرتُ له إكراما لذلك الرجل الذي شهد ببراءتي.»

«8- لحظة رابعة:

الإيقاع: الناس مثل الحجر لولا أنهم يتكلمون، يشكلون مع ساحة السوق الكبير إطارا لسخافات لا تنتهي. النساء ملثمات من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، لا ترى منهن سوى حركات الرأس وعين واحدة سوداء تتحرك ذات اليمين وذات الشمال، تتراقص تحت اللثام كأنها جانٌّ، يتكئن إلى جدار المستوصف الذي يشبه معتقلا للخوف، مباشرة أمام واجهة مربط الحمير والبغال.

المكان: السوق الأسبوعي في قرية عين الصفاء 34 كلم غرب مدينة وجدة.

الزمان: صباح يوم سبت في شهر رمضان عام 1978.

كان عمره لا يزيد عن ست سنوات، اصطحبته جدته إلى السوق، وكانت الأخبار قد تسربت إلى القرية بأن هناك من يختطف الأطفال، ترسخ في ذهنه أن هناك من يسرق الأطفال، وبما أنه طفل فإن المسألة تعنيه. في الرحبة المخصصة لبيع اللوز، ناداه رجل كَرِشٌ واختاره من بين جميع المارين، أن يتذوق له نوعين من اللوز، لعل الرجل كان يريد التمييز بين اللوز المر واللوز الحلو، تذكر الطفل ذو الست سنوات قصص خطف الأطفال التي كانت تتردد في القرية، نظر من حوله فرأى الرجل الكرش ما يزال مصرا على طلبه، تفرس في الوجوه حواليه: لابد أن يكون كل هؤلاء لصوص أطفال، انتفض من يد جدته وهرب مسرعا باكيا يختبئ بين الناس في السوق الكبير أمام دهشة الجميع، الناس يلاحقونه ليعرفوا ما أصابه وهو يجري وينادي: اللصوص اللصوص، أنقذوني أنقذوني.

قلتُ: لقد تعلمت الدهشة ممزوجة بخوف أسطوري من الوجود: الدهشة أمام الأشياء والمواقف هي بداية التعلم المباشر، والخوف هو صمام الأمان لكي لا تقع الذات المندهشة في الخطأ. لقد أدركت في ما بعد أن الدهشة هي التي دفعت سردالا ليؤمن بنبوءة عباس تماما مثلما كانت الدهشة سببا في احترامي لعبد السلام، ولكن مع ذالك أعترف أنني لم أستطع إلى الآن أن أفهم الآلية التي تتم بها هذه العملية السحرية الرائعة: أي كيف يمكن للدهشة أمام الأشياء أن تعطيك قوة لتفسير عوالم لا تدرك بالحواس المباشرة. الدهشة قادتني مرة أخرى إلى اكتشاف عظيم ينصهر فيه الزمان والمكان، في لحظة إيقاعية جديرة بالتأمل، عندئذ أدركت أنني قد خسرتُ ذاتي إلى الأبد. »

«9- لحظة خامسة:

المكان: في غرفة مكتبي، الآي ماك (iMac) مفتوح على النسخة السابعة من هذه الرواية. (حتى لم أعد أعرف الناسخ من المنسوخ.)

الإيقاع: الأشياء الصغيرة تحيط بي من كل جانب، تغمرني إيقاعاتها البطيئة بلحظات من الأسى. العمر الافتراضي لهذه الأشياء الصغيرة - بكل المقاييس- أكثر من عمري. أكاد أقبض على هذه اللحظات بأصابعي. أكاد أخنقها بزفراتي. إنها لحظات تتطاير شراراتها في الغرفة على غير نظام، تخرج من الغرفة إلى العالم الخارجي دون أثر للرجوع. تتصرم من بين أناملي باستخفاف ظاهر كأنها تتحكم في رقاب البشر. أي نوع من البشر نحن؟ إنني أراها ترسم دوائر متداخلة على سقف الغرفة. ثم تغادر.

الزمان: الأربعاء 11/02/2009

"أم كلثوم تغني" "سلوا قلبي" وأنا أحاول أن أقبض على هذه اللحظات المتطايرة في الغرفة. كلما حاولت أن أصف لحظة من اللحظات، أصبحَتْ جزءا من الماضي. الماضي بئر عميق. مقبرة للحظات المنتشرة بلا نظام في سجل لا أبعاد له. لا فرق بين التاريخ والمقبرة: التاريخ هو مزبلة اللحظات الزمنية، والمقبرة هي مزبلة المادة المتحللة. ومن الغريب أن يعيش الإنسان بين مزبلتين مرفوع الرأس بلا خجل أو حياء...»

قلتُ: لهذا السبب يحاول العقل أن يخدعنا. لا يجسد تاريخ الفكر إلا سلبيات العقل وقصوره، ولم يكن العقل في يوم من الأيام حارسا أمينا للمعرفة الإنسانية، وكلما ازداد اعتقادي في أهمية العقل كلما ازدادت شكوكي حول القيم نفسها، الإنسان الشعبي أكثر سعادة من المفكر، يا إلهي! كلما ازددت تعقلا في إدراك الأشياء كلما ازدادت تعاستي، فأين العقل المرح ؟

وقلتُ أيضا: تلك العصافير تدغدغ مؤخرة رأسي، قليل من النمل في أخمص قدمي اليمنى، لا تتبين عيني اليمنى ما تراه عيني اليسرى، الكثير من الهذيان يسبب لي الملل، لكنني أتبين بوضوح أضواء المدينة بعيدة كشموع تحترق، من يدري ربما ينتهي العقل أخيرا بانتهاء المدينة.

«10- لحظة سادسة:

الزمان: اليوم السابع والثلاثون من شهر حُزَعْبِقالْ، يومان بعد الموجة الأولى.

الإيقاع: الناس يسيرون بحركات غريبة، كل شيء يبدو أمامي معكوسا، سيارات الأجرة الطويلة جدا، تسير بلا عجلات إلى الخلف على مقربة من أرض سوداء عليها أثر حريق قريب، الناس يعبرون الطرق بالمقلوب، كلما أردتُ أن أقترب من أحدهم أحسُّ أنه يبتعدُ عني بمسافة. لا تصدر من الأشجار أية موسيقى. لم أعد أسمع موسيقى الأشجار، ولم أعد أشتم رائحة الصوت. أرى شفاها تتحرك. نساء عاريات تماما لكن لا عورة لهن، ورجال كساهم الشعر الأسود العنيف كأنهم قرود بشرية.

المكان: في مكان ما يشبه "وجدة". لم أعد أتذكر التفاصيل. لكنني متأكد أن المكان هو وجدة، والدليل هو أن ساعة البلدية، والصومعة الطويلة الممتدة، لم يبرحا مكانهما، مع فارق بسيط هو أن ساعة البلدية قد استحالت إلى سطل ماء كبير، كأنه حوض سَقْيٍ أو شيءٌ يُشْبِهُ قبعة كبيرة من خشب. كتب تحتها بخط عريض: "إننا نعيش كالآلهة ونموت كالبهائم".

لم أتعرف على أحد ممن كنت أعرفهم، لكن عباسا كان يمسك بجريدة تتطاير منها الحروف، كأنها سرب نحل جامح، يحاول عباس أن يُثَبِّتَ الحروف الهاربة على الصفحة بِريقِ لسانه، وهي نفس الحركة التي كنت أراها في مصلحة البريد عندما أكلف نفسي بإرسال مقالاتي إلى كبرى المجلات العربية ولا ينشرها أحد، لكن كلما ثَبَّت عباس حرفا انسَلَّتْ من تحت أصابعه حروف أخرى. تتناسل الحروف كخلية سرطانية. ترفسها الأرجل في الممرات الضيقة. أسمع حسيسها كأنه حشرجة هواء يُحْتضَرُ. عباس يجري وراء الحروف يطاردها. يتوسل إلى المارة أن يساعدوه على التقاطها، تمر أمام أنوفهم لكنهم لا يرونها. تستقر في رئاتهم لكنهم لا يحسون بدبيبها. تخدش ما بين صماخ آذانهم لكنهم لا يسمعون موسيقاها.

قُلْتُ: آلهةٌ في الصَّباحِ، بَهائِمُ في الليلِ، لم يعد باستطاعتنا أن نسيطر على ذَواتنا. الإنسانُ، ذلك المقدسُ يندثر من الوجود بسرعة جنونية. يتلاشى أمام أعيننا دون أن نعيَ مصيره المحتوم، تتناسل مخلوقات جديدة غريبة تشبه جسدَ إنسان. لها صوت إنسان، حركة إنسان ، لون إنسان ، لكن وسْط هذه الدوامة التي لا تنتهي يغيب الإنسان ويبقى الصوت والحركة واللون.»

هل يمكن لهذه المخلوقات أن تفهم نبوءتي؟ تساءل عباس في شك يشبه اليقين وانزوى إلى ركن مغبر في طرف الشارع الكبير، تحت الساعة التي كأنها سطل ماء، وكانت الحروف ما تزال تنط من الجريدة مبتعدة في دوائر نحو الأعلى. أما عباس فكان يتابعها بابتسامة علمية اخترقت حدود المكان.

11-كنت ما أزال منهمكا في قراءاتي حول طرق تجارة التوابل في الصين القديمة، وفي الوقت نفسه برمَجتُ كتابين جديدين أقرأ منهما كل مساء بعد المغرب، وكان قصدي أن أجد عباسا في إحدى هذه الطرق الكثيرة الموغلة في الذاكرة، وبينما كنت أتلمس طريقا للمعرفة، وجدت نفسي وجها لوجه مع بعض الأشياء التي تركها عباس في إحدى الذاكرات القديمة الصدئة، وقد يكون غيَّرَها بعد تلف أصابها، قضيت وقتا طويلا أرمم بعض الأحداث من ذاكرة عباس حتى أحسست بدماغي يسيل من أذنيَّ، وما أثارني حقا هو أن الأحداث نفسها إذا رُممت تحولت إلى شيء آخر مختلف، عند ذاك تذكرت أنني بصدد كتابة رواية، وأن دماغي يحتاج إلى الكثير من الرائحة.

أخذت حماما ساخنا مدة نصف ساعة، ارتديتُ ملابسي. حلقت ذقني حتى أصبح وجهي أبلقَ براقا. مشطت شعري جيدا على غير عادتي، ارتديت بعد ذلك قميصا أسودَ تعتليه خطوط عمودية بيضاء. أحكمْت وضع رابطة عنق سوداء منمقة بورود صغيرة حمراء، أهدتها لي أمي بمناسبة حصولي على درجة الدكتوراه (2).

- أين أنت ذاهب يا أبي؟ سألني أيوب مندهشا.

- سأنام. قلتُ.

نظر إلي ابني وقد زالت الدهشة قائلا:

- لا تنس يا أبي أن تلبس حذاءكَ! قالها بصوت واثق رخيم. فتأكد لي أن أيوب هو من سيخلفني على عرش التفلسف المرح.

لم أعد قادرا على تطوير هذه الرواية، الشخصيات الرئيسية التي عجنتها بيديَّ تتمرد عليَّ، أصبحت تتحكم في مصيري، توجهني إلى مسارات متعرجة ما كنت أريد أن أقترب منها، يا إلهي من يكتبُ الآخرَ؟ من يخطط على الورق ويقضي الساعات يرسم الوجوه والهمسات والعيون؟ إنني أشعر برعب حقيقي لا يمكنني تصوره إزاء الكتابة اللعينة، أصبحت تمتلكني، تسجنني في أحشائها، الحروف المتطايرة أمام عيني تحجب عني رؤية الأفق القريب. أنني أذوب في عشقها الأبدي، ولكنها تتخذ مسوح الرهبان لتمنع عني أسرارها الملتهبة. الأمكنة والأزمنة سجون أبدية تعمق جرح النفوس التواقة للحرية، لا يمكنك أن تتصور ألم الرعب ممزوجا بالحرية، فَتَحْتَ سقفِ الكتابة وحدها يتعايش الرعب ممزوجا بحُرية وهمية.

الحرية ! أجل الحرية ! في الواقع علينا أن نشكر الجلادين، ونصنع لهم تماثيل ذهبية. فقد علمونا معنى الحرية. ولأننا لا نستطيع أن نرى الأفق بوضوح ترانا نلعنهم في أسرارنا لكننا في أعماقنا ندين لهم بأعز ما فينا: الشعلة التواقة لمعانقة الزهور.

12- قلت في نفسي: الرواية نبوءة بدون تعاليم تطمس هويتها. نبوءة حرة كزهرة تميس في حقول القمح مشبعة بندى الصباح. إنها جمال فطري لم تعد أنوفنا المتخمة برائحة أجسادنا تستطيع أن تتذوقه.

لم أكن أريد أن أملي على شخصياتي ما ينبغي عليها أن تقوم به رغم أنني كنت أعلم علم اليقين أنها تتمرد عليَّ. كنت أريدها أن تكون حرة تقهر إرادتي، لكنها حسنا فَعَلَتْ حينما اضطرتني إلى أن أعيد مخططاتي.


----------------------------------

1 - في النسخة الأصلية : ...رْيَةٍ، الحرف الأول في حالة شرود ذهني، وقد اجتهدت في طلب المراد، فقلت: لعله يقصد فِرية بمعنى كذبة أو قرية ولا أخفي على القارئ الكريم أنني رجحت أول الأمر خَرية، لكنني عدلت عنها لأنه لا يجوز للروائي ما يجوز للشاعر كما يجوز للفقيه ما لا يجوز لغيره.

2 - بلغني من مصدر موثوق أن عباسا لما أخذ درجة الدكتوراه تقدم منه أحد الأساتذة فسأله عن مشاريعه العلمية المستقبلية. فكان جوابه أن أهم مشروع يفكر فيه هو أن يعرض نفسه على طبيب نفسي.

الخميس، 7 يناير 2010

بين السياسي والمثقف..!


بداية لا تطالبني بأن أعرف لك من هو السياسي ومن هو المثقف، الأمر يشعرني بالتقزز، لأنني سأضيع هنا كثيرا من الوقت دون أن أصل إلى جواب مقنع، ومع أنني لا أرى فرقا كبيرا بين أن أقول: سياسي ومثقف فإن التعريف مع ذلك لا يختلف كثيرا عن قولك: إذا كنت تلد بيضة كل صباح فأنت دجاجة.
حسنا، إذا كنت تعتبر نفسك سياسيا فأنت متمرن على اللف والدوران، ولي عنق اللغة للوصول إلى ما تراه صوابا، المصلحة هي التي تحكمك، سواء كانت هذه المصلحة مرتبطة بك مباشرة أو بعشيرتك وقبيلتك، بحزبك السياسي أو بانتمائك الديني، وقد لا تعير الآخرين أي اهتمام إلا إذا أحسست بالضغوط تتوالى عليك من اليمين واليسار، عندئذ يمكنك أن تتنازل عن بعض الفتات من أجل أن تحمي المصالح التي تدافع عنها.
وإن كنت مثقفا فإنك بدون شك تجعل "الحقيقة" هي مثلك الأعلى، وتدافع عنها بشتى الوسائل، لا يهمك رأي السياسي فيك ولا ضغوطات اليمين واليسار، لأن هدفك الأول هو كشف الحقائق كما تجلت أمامك. وأنت من أجل هذه الحقيقة قد تتعرض لكثير من المضايقات سواء من السياسيين أو من رجال الدين، أو حتى من "بائعي المشروبات الغازية"!
وأنت إذا تأملت جيدا، وفهمت ما أرمي إليه تجد خيطا رفيعا بين المثقف والسياسي، يحرص السياسي دائما على وصله، ويجب على المثقف أن يقطعه، هذا الخيط الرفيع هو الذي يمثل الفرق بين وظيفة السياسي ووظيفة المثقف.
وظيفة السياسي – في العمق- هي الدفاع عن المصلحة، ووظيفة المثقف هي تبيان المصلحة، إيضاحها وكشف أبعادها.
المشكلة عندنا هي هذا التداخل الفظيع بين الأدوار: يحاول السياسي أن يكون مثقفا فتتحول السياسة إلى نزعة تشويهية للعلم والمعرفة، ويحاول المثقف أن يكون سياسيا فتصبح السياسة بلا معنى، فتمسخ السياسة ويمسخ العلم، نفس الأمر يعمم على إشكاليات أخرى: حين يبدأ رجل الدين في المسجد بتحليل القضايا السياسية تصاب بالدوار، لأنه يكشف عن هوة كبيرة في فهم الواقع السياسي وتفسيره، المشكلة هنا أن عليك أن تمتلك قدرة كبيرة على المعرفة في الفصل بين ما هو من صميم الدين وما هو بعيد عن الدين، ينتمي إلى المصالح الآنية في عالم السياسة والناس، ولو اكتفى الفقيه بأمور الدين لقام بواجبه خير قيام وأعفى الناس من عنت كثير.
وقد يتجرأ السياسي فيشرح للناس مفاهيم الفلسفة وطرق تأويل النصوص وغيرها من إشكاليات أصحاب الاختصاص، عندئذ ستسمع العجب العجاب الذي ما أنزل الله به من سلطان.
هل استمعت يوما لمغنٍّ يشرح مفهوم الثقافة، من سوء حظي وقع الأمر معي، في الواقع كان يتحدث كما لو أن الثقافة هي الغناء، ولو قال الغنى (المال) لقلت إن الرجل صادق فهو ينقل ما يعيشه ولعله نقد لاذع لأولئك المثقفين المنزوين في خيالهم يعتقدون أن زمن الكلمة والحرف يجعلهم يعيشون فوق الجميع، وأنهم أنبياء المجتمع أو هم إلى الأنبياء أقرب.
على السياسي أن يعرف حدوده فيلزمها، وعلى المثقف أن يفعل الأمر نفسه، وإذا استطاع المثقف أن يكون ناصحا أمينا للسياسي فعليه ألا يتردد لحظة واحدة في تقديم النصح لمن طلبه. وفي هذا دعوة لمثقفي العالم العربي عامة والمغاربة خاصة على تقديم رسالتهم المعرفية بعيدا عن استغلال الساسة وأشباه الساسة، في استقلال تام، وكل مثقف يسخر قلمه للدفاع عن الظلم كيفما كان نوعه يفتضح أمره إن عاجلا أو آجلا، وبين العاجل والآجل تضيع الحقوق وتختل التوازنات، وتحتدم الصراعات، ونضيع وقتا طويلا في تلطيف الخواطر وردم ما خربته الأيام، وهو وقت نحتاجه في إخراج البلاد من الفقر والتخلف إن سلمت النيات وعقدت العزائم وحرص كل ذي مسؤولية على مسؤوليته.

ملاحظة: هذا النص مقتبس من مقالة لي بتاريخ 26 يوليو، 2008

الاثنين، 4 يناير 2010

تفاحة google


ربما انتبه أغلب المتصفحين للإنترنت اليوم أن google غيرت شعارها إذ وضعت في صفحتها للبحث شعارها المألوف مع غصن من شجرة تفاح، ثم بعد ذلك تسقط تفاحة واحدة قليلا إلى الأسفل.
إنها قصة سقوط غيرت نظرة الإنسان إلى الأشياء. وربما تكون هذه السقطة هي أهم قفزة عرفتها الإنسانية منذ اختراع الكتابة.
إنها سقطة تفاحة لا أقل ولا أكثر.
وعدْتُ سنوات كثيرة إلى الوراء...!
يا إلهي، أنا لم تسقط على رأسي أية تفاحة في حياتي. بل حدث ما هو أفضع من مجرد سقوط تفاحة. وبدأت أعدد السقطات:
السقوط من الدراجة: النتيجة كسر خفيف واستمرت الحياة بعدها دون تأمل.
السقوط من الجبل في مغامرات الطفولة، والنجاة بأعجوبة، ثم تسنمر الحياة مرة أخرى. إني أخجل من نفسي...!
السقوط من فوق ظهر الحمار حدث أكثر من مرة....سقوط إثر سقوط لم يحرك في نفسي شيئا...إنني أخجل من نفسي مرة أخرى.
أما أمتنا الغالية العظيمة، فلو أردنا أن نكتب عن تاريخ السقوط فيها ما وسعتنا الأوراق والأقلام.الإنتكاسات تلو الانتكاسات، السقوط تلو السقوط...، لكن لا أحد ينتبه..!
فكيف يمكن أن يكون سقوط تفاحة على إسحاق نيوتن قد غير مجرى حياتنا العلمية، كيف يمكن أن يحدث هذا. إنه الحدس العلمي الذي افتقدناه، والطاقة الخفية التي علمت العلماء أن الإنجازات العظيمة تأتي فقط من الأشياء الصغيرة والتفكير البسيط المبني على الروح العلمية الصادقة.
فمتى تعلمنا سقطاتنا المتكررة، سواء على مستوى ذواتنا أو على مستوى الأمة أن ننتبه إلى هذه اللحظات الصغيرة علنا نكتشف شيئا جديدا يحررنا من تخلفنا الحضاري.
بالمناسبة اليوم هو الذكرى 367 لميلاد العالم الكبير إسحاق نيوتن.